المادة    
ومن حق الله تبارك وتعالى علينا مع هذا كله أن نطيعه وأن نتقيه، فإنه عز وجل يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران:102].
  1. تفسير قوله ( حَقَّ تُقَاتِهِ )

    و(حق تقاته) فسرها عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه تفسيراً عظيماً تستطيع كل أخت منكن أن تحفظه وتعمل به بإذن الله، قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في تفسير (حق تقاته): [[أن يطاع فلا يُعصى وأن يُشكر فلا يُكفر]]، أي: يشكر على كل ما أنعم به علينا، وكل ما لدينا من خير هو من نعم الله علينا، كما قال تعالى: ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ))[النحل:53]، وكما قال عز وجل: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ))[إبراهيم:34].
    والمرأة المسلمة عليها أن تشكر الله الذي هداها للإيمان والإسلام، وهداها لهذا الدين، وهداها للعفاف والطهارة، وفضَّلها على كثير من نساء العالمين، اللاتي تمرغن وتلوثن في أوحال الذنوب والمعاصي، ولم يشأ الله تعالى أن يرفعهن بما أنزل الله من هذا الدين، وأن يكرمهن بأن يكن من أهل الخير والتمسك والالتزام، فإن هذا اختيار من الله، اصطفاء منه، كما قال تعالى: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ))[القصص:68]، فاختيار الله تبارك وتعالى لكِ أن تكوني أنتِ الداعية، وأنتِ المربية، وأنتِ الطاهرة والعفيفة والمحجبة، وأنتِ التي تغضين النظر، ولا تخضعين في القول، وتطيعين الله ورسوله، وتذكرين الله تعالى كثيراً، هذه نعمة عظيمة مهما قل حظك في هذه الدنيا من المال، أو الوظيفة، أو الجاه، أو ما يسمونه الآن الجنسية، أو المركز الاجتماعي.
    إذا أنعم الله تعالى على العبد بنعمة التقوى، فكل ما عداها لا قيمة له، كما قال الله تبارك وتعالى: ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً))[الكهف:46].
    ثم قال ابن مسعود أيضاً: [[وأن يُذكر فلا يُنسى]]، والذاكرون الله والذاكراتُ هم في أعظم وأعلى أنواع الدرجات؛ لأن الإنسان لو تأمل لوجد أن الصلاة شرعت لذكر الله، كما قال تعالى: ((وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي))[طه:14]، وأن الجهاد -وهو أشق ما يمكن أن يعمله الإنسان من الطاعات- إنما هو لإعلاء كلمة الله وذكر الله عز وجل، الأذان هو ذكر الله تبارك وتعالى، وقراءة القرآن ذكر الله... وهكذا.
    فذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يشمل كل العبادات، وتندرج تحته كل الطاعات، ومن هنا كان بهذه المنـزلة وبهذه المثابة؛ فجعله عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه -الذي استنارت بصيرته بهدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعليمه وحكمته- جعله الثالث مما يحقق تقوى الله حق تقاته، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك!
    وهذه الحقيقة هي التي سأل عنها جبريل عليه السلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال له: {أخبرني عن الإحسان؟
    فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك
    }، فالمؤمن يكون شأنه مع الله تبارك وتعالى كما أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اتَّقِ الله حيثما كنت}.
    ويجب على الإنسان -وقد عرف الله، وعرف طريق الله، واتقى الله- أن يحرص على الاستقامة في هذا الطريق والتثبيت عليه؛ كما قال تعالى: ((فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت))[هود:121]، وكما قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا))[الأحقاف:13]، وكما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قل آمنت بالله ثم استقم}، فلا بد من الاستقامة ولا بد من الثبات، ولا بد من الجدية في هذا الدين، فالأمر جد، والدين جد، والحق جد، والله عز وجل سوف يحاسب كل واحد منا على هذه الحياة، وعلى هذه الأوقات وعن هذه الأعمار، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمِ أنفقه} ولا بد أن يرى كتابه، وسيفاجأ بأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها: ((وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً))[الإسراء:13-14].
  2. قيمة الوقت

    أخواتي الكريمات! الأمر جد، ولا يحتمل الهزل ولا أن نضيع كثيراً من أوقاتنا في اللهو وفي الهزل، وفي الغفلة عن ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    وهذه ظاهرة موجودة ومتفشية بين المتمسكين والمهتدين من الرجال والنساء، من الذين عرفوا الله تبارك وتعالى فأوقاتهم تضيع في اللهو وفي المزاح؛ مما قد يضعف الإيمان، ويقسي القلب، وينسي الإنسان ذكر الله والدار الآخرة، فالأمر جد، فهذا المركز جد، يجب أن تأتي إليه الأخت جادةً تريد الفائدة والإفادة والخير، ويجب إذا رجعت إلى بيتها أن تتذكر ماذا أخذت، وتراجع ذلك في نفسها وفي مراجعها العلمية إن كانت ممن يتعلم، وأن تستفيد وتستزيد من العلماء عن طريق الهاتف أو الرسائل أو ما أمكن.
    وأن تقرأ لتتقوى فيما أخذت، وليزيد إيمانها، ويزيد فهمها وتفقهها في الدين، ثم تزيد في عملها، وفي طاعتها، وفي عبادتها، وفي دعوتها إلى الله تبارك وتعالى، فهكذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهكذا كان أصحابه رضي الله عنهم رجالاً ونساءً، علموا أن الأمر جد، وعلموا أن العقبة أمامهم كئود، وعلموا أن هذا العمر وأن هذه الحياة ما هي إلا أنفاس تصعد وتنـزل وتهبط، ولا يدري الإنسان متى تنقطع هذه الأنفاس، ويحاسب على هذا العمر، وعلى هذا المال، وعلى كل ما في حياته.
    ولذلك كان السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أشد الناس غيرةً على دين الله عز وجل؛ لأنهم لما أقاموا دين الله تعالى في أنفسهم، علموا أنه لا بد أن يقيموا دين الله في الناس، فكانوا أشد الناس غيرةً على دين الله، وعلى حرمات الله عز وجل كما قال بعضهم: [[وددت لو أن جسمي قرض بالمقاريض، ولا أن أحداً لم يعص الله عز وجل]].
    أما نحن الآن مع غفلتنا ولهونا وبإضاعة أوقاتنا، فإنا نضيع الفرصة في الدعوة إلى الله.
    وهذا دليل على أن القلوب هذه، اهتمامُها ضيقٌ بأمر الدعوة وبأمر الهداية، وأن غيرتها ضعيفة، فمع ما نراه من شدة المنكرات وشدة انتشار الفواحش في كل مكان -والعياذ بالله- وأنتن أعلم بما يحصل في المحيط النسائي، وأنا لا يصلني منه إلا القليل، ولكنه مما تقشعر منه الأبدان، ولا يكاد يمر أسبوع أو يوم إلا تأتيني فيه مكالمة أو رسالة تهولني وتروعني وتؤرقني، وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون!. أهذا يقع من المسلمات في بلاد الإسلام وفي أرض التوحيد؟!
    فكيف في غيرها؟!!
    فحقيقة الأمر أن الداعيات يجب أن يقدرن هذه الأمانة وهذه المسئولية أمام الله تبارك وتعالى، ويجب أن يَكُنَّ في غاية الجد والاهتمام، وأن تأخذَهنَّ الغيرةُ على دين الله، وعلى حرماتِ الله عز وجل، وإن الله عز وجل يغار، كما ثبت في الحديث الصحيح: {إن الله يغار، وغيرته أن تنتهك محارمه}، والمؤمن أيضاً يغار على دين الله، ويغار على حرمات الله، ويتخلق بهذا الخلق العظيم.